مدخل إلى دراسة التوريث الديني في سوريا المعاصرة

 
استهلال:

يُعدُّ (التوريث الديني) من أهم تجليات الظاهرة الدينية القديمة والمعاصرة، ومن أهم عوامل تشكيل الأسر والسلالات الدينية التي قد يتحول بعضها في لحظة ما إلى سلالات ملكية، كما حدث مع السلالة الإدريسية في المغرب أو السنوسية في ليبيا، وقد يحالف الحظ بعض الأسر فيكثر أتباعها ويعدون بعشرات الآلاف، أو بمئات الآلاف، وربما يفوق عدد أتباع بعضها الملايين، متوزّعين على عدة بلدان، وقد يحالف التوفيق ذلك التوريث فيُقال: "الولد سرُّ أبيه"، وقد يمسك الإخفاق بتلابيبه فيقال: "خُبث الرجل الصالح في منيِّه"! ونجد في القرآن الكريم إحالةً قديمة إلى هذه الظاهرة في قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} (النمل:
16)، ونسمع أيضاً ذلك الدعاء المتلهّف على لسان نبي الله زكريا: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} (مريم: 6)، ونقرأ أقوال المفسرين بأنّ المقصود بوراثة سليمان النبوة والملك، والمقصود بوراثة يحيى النبوة والمال.
ومن هذا التوريث الديني انبثقت تلك الظاهرة العالمية العابرة للأديان والثقافات، وتشكّلت على مرّ التاريخ أسر دينية سواءً في اليهودية أو المسيحية أو الإسلام على اختلاف طوائفهم وفرقهم، ناهيكم عن بقية الأديان الأخرى، ففي اليهودية عُرفت عائلات معينة بأنّها عائلات حاخامية من الأشكناز أو السفارديم، يتوارث أفرادها الرئاسة الدينية ويتداولونها جيلاً بعد جيل، كعائلة أبي حصيرا المغربية (١)، أو عائلة عيّاش الجزائرية، أو أسرة الحاخام موسى صوفر المولود في فرانكفورت، أو عائلة إدلر الموزّعة بين ألمانيا وإنكلترا، أو أسرة أبرافيئيل الإسبانية التي ترجع بنسبها إلى الملك/ النبي داود (٢) ، أو عائلة توسان/توسانوس المسيحية التي فرّت من فرنسا إلى ألمانيا بعد منتصف القرن السادس عشر إثر حملات الاضطهاد الديني الكاثوليكي للإصلاحيين المسيحيين الجدد، ورفدت الحركة الإصلاحية برجال دين لعدة أجيال (٣)، أو عائلة هان المسيحية اللاهوتية في منطقة البلطيق (٤).
ونشاهد في زمننا الحالي في سوريا مصاديق هذه الظاهرة ونماذج لها، فهنالك أسر دينية إسلامية ترسّخ وجودها خلال العقود الأخيرة، وهنالك أسر دينية تمتدّ جذورها إلى زمن أقدم، وهنالك أسر دينية أخرى تتشكّل اليوم أمام أعيننا، وتزاحم بقية الأسر لتثبيت موطئ قدم في الساحة الدينية.
أسرٌ وسلالات، وعلماء ومشايخ وتوريث وأحياز وجودية لا يقتصر إسهامها على رسم المشهد الديني فحسب، وإنما يتعدّاه إلى المشاركة في رسم المشهد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، في أدوار يختلف تأثيرها وفاعليتها بين أسرة وأخرى، وبين شخصية وشخصية، وهذا ما يدفعنا للتفكّر في (التوريث الديني) ملياً، ولتناوله بالبحث والدرس والتوصيف.
ويستمد الموضوع أهميته أيضاً من أهمية فكرة (الشيخ) نفسها التي توازي لدى بعض الأتباع أهمية النبي، فالشيخ كالنبي في أمته أوكل الله إليه إرشاد الناس مثلما أوكلها من قبل إلى النبي، و"إذا ما قيل لمحمد: {وإنّك تهدي إلى صراط مستقيم} فقد قيل في حقّ الشيوخ: {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق}، و{جعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا}" (٥).
ويُفترض أن تتداخل في دراسة ظاهرة (الأسر الدينية في سوريا) عدة اختصاصات، وهذا ما يتيح لها أن تظهر فيها جميعها أو في معظمها أو بعضها على الأقل أولاً، وما ييسّر تناولها في أكثر من أسلوبٍ وطريقة ومعالجة ثانياً، ولكننا نفتقدها في كل ذلك، فلا نراها في حقل دراسات الدين عموماً والتصوف خصوصاً، ولا في الدراسات التاريخية، أو دراسات علم الاجتماع الديني أو السياسي، أو دراسات الإناسة الدينية، وكأنّ كل باحث في هذه المجالات ينتظر زميله من المجال الآخر ليكفيه المؤونة، أو ليقدّم له الأساس العلمي والأرضية البحثية، ولعل من جملة أسباب عدم الكتابة في هذا الموضوع أنّ الدراسات الجدية عن تاريخ الأسرة في الشرق الأوسط لم تبدأ إلا مؤخراً، كما تخبرنا بذلك الباحثة الأمريكية مارغريت ميري ويثر في كتابها: (القرابة الحقة: العائلة الحلبية والمجتمع في العهد العثماني) (٦)، والتي تقرّر أنّ سبر أغوار تاريخ الأسرة في الشرق الأوسط في العصور الوسطى مهمة عسيرة بالقياس إلى عمل مؤرخي الأسر الأوروبية، وتشير ميري ويثر إلى مشكلتين رئيستين في هذا المجال:
١ــ مشكلة قلة الوثائق التاريخية التي يمكن أن يستند إليها الباحث.
٢ ــ ومشكلة المنهجية والإطار المفاهيمي للدراسة.
ونجد في كتاب (المعرفة والممارسة الاجتماعية في دمشق في العصور الوسطى) (٧) لمؤلفه مايكل شمبرلين تفصيلاً لهاتين المشكلتين:
فالباحث في تاريخ الأسر الأوروبية يجد مقداراً كبيراً ومتنوعاً من الوثائق والمصادر الملائمة للقيام بمهمته، وقاعدة تاريخية راسخة ينطلق منها، إذ تتمتع مجموعة الوثائق والمستندات الأصلية بمكانة مميزة في التاريخ الأوروبي، لأنها إحدى الوسائل الأساسية في المنافسة الاجتماعية والسياسية، فهي تقدّم أدلة لا لبس فيها على الامتياز أو الإعفاء أو الكفاءة أو السوابق أو الشرف أو الامتلاك، ولذلك فقد اتخذت الأسر والطبقات والهيئات الدينية والشركات كلَّ التدابير للمحافظة عليها وهي تخوض صراعاتها ومنازعاتها، وهذا ما يفسّر جزئياً بقاء عدد كبير من مجموعات المستندات الأصلية من أوروبا في العصور الوسطى مقارنة بمنطقة بلاد الشام والشرق الأوسط في الفترة نفسها، ويبدو أنّه ليس من قبيل المبالغة قول شمبرلين في هذا الصدد إنّه "عن طريق المصادفة كانت تضيع الوثائق في الغرب اللاتيني في العصور الوسطى المتأخرة، وعن طريق المصادفة كانت تحفظ مثل هذه الوثائق في الشرق الأوسط" (٨).
أما المشكلة الأخرى التي تعترض الباحث فهي ذات شقين:
الأول: مدى ملاءمة المنهجيات والمفاهيم الغربية التي طبّقها الباحث الغربي في دراسته للأسر الأوروبية لدراسة الأسر في بلاد الشام والشرق الأوسط، بدءاً من مفهوم الطبقة، والمجتمع الإقطاعي، والأرستقراطي، والبرجوازي، والبيروقراطية، والإدارة، والتفريق بين المجالين الخاص والعام، والطابع الرسمي وغير الرسمي، والتعليم العالي، وشرعية الأسرة الحاكمة إلخ.
والثاني: مقدار نجاعة النظر إلى أوروبا بوصفها معياراً في فهمنا آليات الممارسة الاجتماعية والسياسية لأسر النخبة المدنية والعسكرية في بلادنا، والحكم على استراتيجياتها وأدائها بالنظر إلى ذلك المعيار.
ولكنّ هذه العقبات لا تشير إلى استحالة الدراسة وإنما إلى الصعوبات التي تعترضها، ويمكن تخطيها بالتنقيب والتفتيش في المراجع والمصادر والروايات وبقية المحفوظ من المستندات على اختلاف أنواعها، ومن أهمها مستندات الوثائق والحجج الوقفية، وبالتعامل بحذر مع المنهجيات والمفاهيم الغربية، واستخدامها بطريقة نقدية تجنّبنا مغبة المفارقة التاريخية وإرباكها (٩)، وقد استطاعت مارغريت ميري ويثر، على سبيل المثال، أن تبني دراستها من خلال نوعين من المصادر القانونية هما: الفتاوى وسجلات المحكمة الشرعية.
على أنّ هذه الصعوبات لن تختفي أو تتلاشى إذا أردنا توسيع دائرة البحث لندرس الأسر في تاريخنا الحديث والمعاصر، بل ربما كانت أكثر صعوبة للأسباب نفسها، فقد ظلّت الوثائق قليلة جداً، ويصعب الوصول إليها، أما المصادر الأدبية الداعمة من قواميس السيرة الذاتية وكتب التراجم فهي أقل وأضعف مما كانت عليه في العصور الوسطى المتأخرة، ولذلك تغدو المعرفة المباشرة أو البحث الميداني والمقابلات الشخصية هي الروافد الأساسية لأي بحث معاصر.
 
أسئلة التوريث الديني:
لا أعرف كتاباً في اللغة العربية أو في اللغات الأخرى أُفرد لتناول موضوع (التوريث الديني في سوريا)، سواء في الحقبة المعاصرة أو ما سبقها من حقب، ولم أقع على بحث مستقل أجاب عن الأسئلة المتنوعة التي يثيرها هذا العنوان، وأهم هذه الأسئلة:
ما أنواع الأسر الدينية؟
كيف تؤسس أو تكتسب عائلة دينية ما مكانتها؟ وكيف تنسج علائقها، وكيف تحبكها وتمتّنها؟
ما الجذور الثقافية والتاريخية المتأصلة التي تتيح لها اكتساب هذه المكانة؟
كيف تغتنم الفرص لزيادة ازدهارها، وكيف تحافظ عليه؟
هل للتوريث خط مستقيم أم يمكن أن يتعرّج بتجاوز الأبناء إلى الأصهار أو الأقرباء أو التلاميذ؟
كيف يجري الصراع على التوريث والخلافة؟
هل يرتبط التوريث الديني بالتوريث السياسي؟
ما مقدار جدلية العلاقة والخدمات المتبادلة بينهما؟
وكما هو واضح من عنوان البحث فإنّ مجال الدراسة فيه واسع جداً، لأنّه يتناول الأديان المختلفة وفرقها العديدة في سوريا، غير أنّه لن يستقصي الإجابة عن جميع هذه الأسئلة، ولن يحيط بجميع الأديان وفرقها، ولا جميع الأسر الدينية على اختلاف صنوفها، وسنكتفي بذكر أمثلة على سبيل الإلماح والمقاربة المجملة.
 
إطلالة تاريخية:
كانت هذه الظاهرة في بدايات تاريخنا الإسلامي منحصرة في آل البيت، فلم تتشكل مِنْ سواهم في العصر الأموي أسر دينية تتوارث المكانة الدينية بين أفرادها يمكن أن نشير إليها أو نحيل عليها، على الرغم من وجود كمٍّ هائل من الأسماء الدينية اللامعة بل والمؤسِّسة لتاريخ نقل الموروث الديني وتفسيره والاستنباط منه، كأئمة الحديث والتفسير والفقه وفي وقت لاحق أئمة الزهّاد والعبّاد، وإن كنّا لا نعدم ذكر اسم ولد من أولاد هؤلاء الأئمة أو حفيد من أحفادهم، ولكن من دون أن تُدرج حالتهم ضمن إطار التوريث المدروس والمخطط له، مثل صالح وعبد الله ابنَي الإمام أحمد ابن حنبل، فصالح غدا قاضياً على أصبهان، وعبد الله محدثاً على خطى والده، ومثل إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة الذي غدا قاضياً كذلك. أما في العصر العباسي فنستطيع الحديث عن أسر علمية توارث أبناؤها العمل العلمي وتشاركوا فيه من دون أن يكون لهذه الأسر والعوائل، في الأعم الأغلب، طابع ديني، كأسرة بني حنين بن إسحاق التي ترجمت كتب الفلسفة اليونانية وكتب جالينوس، وأسرة بني قرّة التي اقتصرت أعمالها على ترجمة الكتب الرياضية (الحساب والهندسة) وما شاكلها، وأسرة بختيشوع التي تخصّصت بالطب فاصطفاها الخلفاء لتطبيبهم، وأولاد شاكر الذين نقلوا وألّفوا الكتب في الميكانيكا والفلك، وسوف نقع على استثناءات قليلة لعوائل علمية اصطبغت بالصبغة الدينية كعائلة آل نوبخت الشيعية التي اشتغل أفرادها بترجمة الكتب من الفارسية إلى العربية، ثم برز منهم متكلمون طوّروا البنيان الكلامي الإمامي بل غدوا من أبرز مؤسسيه.
وستنتشر ظاهرة الأسر الدينية في العصر المملوكي، وسنجد من الآن فصاعداً ملامح التوريث الديني في أكثر من صعيد: في تمسّك بعض الأسر بطلب العلم والاشتغال به جيلاً بعد جيل، وربما نرى الحفيد والأب والجد يتواردون تباعاً على تأليف كتاب واحد ككتاب (المسوّدة في أصول الفقه) الذي بدأ تأليفه مجد الدين عبد السلام ابن تيمية، ثم تابعه ابنه شهاب الدين عبد الحليم ابن تيمية، ثم أنهاه حفيده شيخ الإسلام تقي الدين أحمد ابن تيمية، وسنجد أسراً أخرى تتمسّك بطلب العلم وتبرع في التدريس والتصنيف، وتتخذ ذلك وسيلةً للمناصب والوظائف الدينية، وسيحرص الآباء فيها على توريث أبنائهم وأقربائهم هذه المناصب والوظائف التي كانوا يشغلونها، وسيتوسلون إلى ذلك بالطرائق المشروعة وغير المشروعة، كالمصاهرة ودفع الرشاوى! وتقدّم أسرة السبكي المصرية التي استقر عدد من أفرادها في دمشق على فترات متقطعة في العهد المملوكي حالةً نموذجية لذلك، فقد استمر وجودها في المجال الديني تعليماً وإفتاءً وقضاءً ستة أجيال أو أكثر في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين! ونحيل هنا إلى كتاب محمد الصادق حسين، (البيت السبكي: بيت علم في دولتي المماليك) (١٠)، وإلى دراسة الباحث الياباني منامي كوندو المعنونة بــ (صعود عائلة علماء في عهد المماليك: قضية عائلة السبكي) (١١)، وتبتدئ مسيرة هذه الأسرة بالجد عبد الكافي السبكي (659 ــ 735 هـ)، ثم بابنه تقي الدين علي بن عبد الكافي (683 ــ 756 هـ)، ثم بالحفيد تاج الدين عبد الوهاب بن علي (727 ــ 771  هـ)، ونقرأ في تراجم هذه العائلة أنّ عبد الكافي وابنه علياً توليا القضاء في مصر، ثم تولى علي منصب قاضي القضاة في الشام، وكانت هذه الولاية مفتاحاً ليجمع في يديه العديد من المناصب والوظائف الدينية في دمشق: خطابة الجامع الأموي، ومشيخة دار الحديث الأشرفية، والتدريس في المدرسة الشامية البرانية والمدرسة المسرورية. وتتحدث كتب التراجم عن صفتين متناقضتين فيه: زهده في ملبسه، وحرصه على أن يلي أبناؤه المناصب! فعندما أراد مغادرة مصر لتولي القضاء في الشام سعى لابنه أحمد في توريثه الوظائف التي كان يشغلها، وهي إلقاء دروس الفقه بجامع ابن طولون، وجامع الظاهر، والمدرسة السيفية، والكهارية، وخانقاه شيخو، وارتقى الحال بأحمد إلى أن أُسند إليه إفتاء دار العدل، وقضاء العسكر، وتولّى كذلك قضاء الشام بدل أخيه تاج الدين لما عُزل سنة 763 هـ، وكان أحمد "حريصاً على الدنيا لهذا كثر سعيه في الحصول على الوظائف، فكثرت وظائفه وكثر ماله، وكان لا يملّ من السعي، ولا يضنّ بالمال في سبيل الوصول إلى الوظائف التي تعود عليه بالفائدة المادية، وصارت له دربة عظيمة في السعي حتى يبلغ أغراضه، وبلغ من حرصه في هذا الباب أنّه أوصى قبل موته بوظائفه لأولاده وأولاد أخيه، وكتب بخطه إلى ناظر الجيش يسأله المساعدة على ذلك" (١٢).
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ تقي الدين علي لم يترك قضاء الشام على الرغم من شيخوخته وضعفه إلا حين ضمن أن يعيّن ابنه تاج الدين مكانه، و"بعد أن اطمأن على تاج الدين في منصب قاضي قضاة الشام رجع إلى مصر ضعيفاً، ولم يعش بعد ذلك إلا قليلاً" (١٣)، وكانت فترة ولاية ابنه تاج الدين مثيرة للجدل، وفي وقت من الأوقات عُزل وقضى ثمانين يوماً في السجن، على ما يبدو، بتهمة اختلاس أموال مخصصة لدعم الأيتام (١٤).
وسوف تستمر ظاهرة التوريث الديني في العهد العثماني، ولن نعدم بحوثاً ودراسات يمكن أن تلقي لنا الضوء على بعض الأسر والأدوار التي اضطلعوا بها، والمناصب الدينية التي كانوا يتداولونها ابناً عن أب أو أخاً عن أخيه. ويمكننا أن نذكر هنا أسماء بعض الأسر الدينية في دمشق كأسرة العمادي والمرادي والكزبري والعجلاني والحمزاوي في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، حيث كان منصب مفتي المدينة لا يخرج عن يد أحد أبناء العمادي أو المرادي، في حين استحوذت عائلة الكزبري الشافعية على التدريس تحت قبة النسر في الجامع الأموي، أما عائلتا العجلاني والحمزاوي فاختصّتا بنقابة الأشراف (١٥)، وأما في حلب فيمكن أن نشير إلى عائلة الكواكبي التي توارثت نقابة الأشراف، وتولّى الابن والأب والجد فيها منصب الإفتاء الحنفي على التوالي: أبو السعود بن أحمد بن محمد بن حسن الكواكبي، ويُشتهر محمد بن حسن لدى طلاب الفقه بشرحه للمنظومتين اللتين نظمهما في الفقه وأصول الفقه (١٦)، وعائلة الكيالي بفرعيها في إدلب وحلب، ففي إدلب توارث أعلامها الإفتاء (١٧)، وفي حلب اشتُهرت بزاويتها الصوفية (١٨)، واشتهر من رجالها في مطلع القرن العشرين مفتي حلب الشيخ عبد الحميد الكيالي (1876 ــ 1956) ابن الشيخ أحمد بن الشيخ محمد طاهر (١٩)، واشتُهر منها أيضاً رجال أدب وسياسة كرئيس الحزب الوطني عبد الرحمن الكيالي (1887 ــ 1969) ابن الشيخ عبد القادر الكيالي، والأديب سامي الكيالي (1898 ــ 1972) صاحب مجلة الحديث وابن الشيخ علي بن محمد الكيالي (1870 ــ 1944) الفقيه الحنفي وأمين الفتوى لمدة عشرين سنة في حلب، ورائد القصة السورية الساخرة حسيب كيالي (1921 ــ 1993) ابن مفتي إدلب الشيخ أحمد زهدي كيالي، وينقل ستيف تماري عن مادلين زلفي كيف تحوّلت الحياة العلمية العثمانية في القرنين السابع عشر والثامن عشر إلى نوع من الوجاهة العائلية، حيث كان التقدم يعتمد على العلاقات العائلية أكثر من الاعتماد على الجدارة! ويحدثنا ستيف عن أسرتي العمادي والمرادي فيقول: "تمثل عائلتا المرادي والعمادي نوعاً من الأرستقراطية بين العلماء المحليين، وتقدّم هاتان الأسرتان النموذج الدمشقي المقابل لنموذج إسطنبول في الأهمية المتزايدة لدور علاقات القرابة في توارث المناصب الرسمية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ويكشف تاريخ عائلة المرادي في دمشق كيف يمكن للعثمانيين أن يخلقوا نخبة إقليمية تخدم مصالحها على مدى عدة أجيال. ولد وترعرع مراد المرادي (ت: 1720) جد المؤرخ محمد خليل في سمرقند في بخارى، لكنه غادر وطنه الأم للسفر ونشر الطريقة النقشبندية في جميع أنحاء المشرق العربي. استقر مراد في دمشق في سبعينيات القرن السابع عشر وأقام بها باعتباره أول ممثل للنقشبندية المجددية، ثم انتقل إلى إسطنبول، في منتصف الثمانينيات من ذلك القرن، ومنحه السلطان محمد الرابع (حكم بين 1648-1687) ضرائب عدد من المزارع لمدى الحياة في منطقة دمشق. بدأ مراد على هذه الأسس الدينية والسياسية والاقتصادية سلالةً من العلماء لعبت دوراً فريداً في الحياة السياسية والدينية للمدينة خلال القرن الثامن عشر، وتزعمت عائلة المرادي الطريقة النقشبندية في دمشق حتى العشرينيات من القرن التاسع عشر، وهيمنت على منصب المفتي الحنفي من النصف الثاني من القرن الثامن عشر حتى القرن التاسع عشر، وكان الارتباط بكلا المنصبين يشير إلى قدرة الأسرة على العمل حلقةَ وصل بين السلطات في إستنبول والدمشقيين الأصليين" (٢٠).
 
العلماء والمشايخ... الأعيان والوجوه:
تسمية علية القوم بالوجوه والأعيان تشبيهاً لهم بأشرف الجوارح وأعلى ما في الإنسان: الوجه والعين تسميةٌ قديمة، ويورد الأزهري المتوفى سنة ٣٧٠ هـ في تهذيب اللغة: "يُقال لأراذل الناس هؤلاء الأستاه، ولأفاضلهم هؤلاء الأعيان وهؤلاء الوجوه" (٢١)، وأهل الوجوه هم أهل الجاه والوجاهة، وتتحقّق هذه الوجاهة برأسمال أو قوة مادية أو برأسمال رمزي وقوة معنوية، ولعل الشاعر أبا تمام أدرك، بفطنته الألمعية، منذ وقت مبكّر ما توصّل إليه بيير بورديو من توسيع مفهوم رأس المال الماركسي ليشمل كل طاقة اجتماعية يمتلكها الفرد ويعتمد عليها في التميّز والمنافسة، ولذلك تحدّث بورديو عن رأس المال الاقتصادي، ورأس المال الاجتماعي، ورأس المال الثقافي، ورأس المال الرمزي (٢٢). يقول أبو تمام:
وإذا امرؤٌ أهدى إليك صنيعةً ... من جاهه فكأنها من ماله
لقد كان الجاه المعنوي على مدار التاريخ الإسلامي مرتبطاً بعدة أسباب ووسائل ومن أهمّها: (العلم والتقوى)، ولذلك كان جلّ من حُفظت أسماؤهم وتُرجم لهم هم ممن تحلّوا بواحد منهما أو بكليهما، وقد احتفى تاريخنا بطبقات أهل العلم ورجال أرباب التقى، بوصفهم قادة المجتمع وراسمي توجهاته ومساراته، بما يملكونه من رأسمال رمزي يخوّلهم هذه القيادة والريادة، ويذخر المأثور الإسلامي بما يؤسس ذلك ويدعمه (٢٣).
وبناءً عليه اعتنت كُتب التراجم والطبقات بطبقات القرّاء، وطبقات المفسرين، وطبقات الفقهاء، وطبقات المتكلمين، وطبقات الصوفية أكثر مما اعتنت بطبقات الملوك والأمراء والوزراء والقادة والتجار إلى آخر ما هنالك من طبقات، ولا غرو أن يتربع العلماء ويأخذوا هذه المكانة فقد كان القلم بيدهم والتدوين والكتابة مهنتهم، ومن كان القلم بيده لا يكتب نفسه إلا في ديوان السعداء والكبراء، ولا عجب أيضاً أن نقرأ في خطبة كتاب طبقات الكبرى لتاج الدين السبكي: "الحمد لله الذي رفع قدر العلماء وجعلهم بمنزلة النجوم في السماء" (٢٤).
قاد العلماء المجتمع ورسموا توجهاته ومساراته، و خوّلتهم المكانة التي حازوها التوسط بين النخب الحاكمة والجماهير من تجار وحرفيين وعامة الناس، وبالعلم الذي حصّلوه والوجاهة التي تمتعوا بها أداروا المهام الإدارية والقضائية من جهة، وكفلوا استمرارية نقل الموروث الديني والعلمي وربما تطويره من جيل إلى جيل من جهة أخرى، وبهذا المعنى غدت النخبة الدينية من أهم أعمدة النخب المدنية، والفئة الأكثر حضوراً وفاعلية، وقد ظهرت في الدراسات الاستشراقية التاريخية مجموعة كبيرة من الدراسات حول التاريخ الفكري والقانوني والمؤسسي الإسلامي، أما الدراسات التي اهتمّت بفهم الوظائف الاجتماعية للنخبة المتعلمة في المدن الإسلامية وكيف استخدم الأعيان العلم لغايات اجتماعية وسياسية فكانت الأقل (٢٥).
يُعرّف ألبرت حوراني الأعيان في نصه الشهير حول (الإصلاح العثماني وسياسات الأعيان) بأنهم "أولئك الذين يستطيعون أن يلعبوا دوراً سياسياً ما، كوسطاء بين الحكومة والشعب، وضمن بعض الحدود كقادة أو زعماء لسكان المدن"، ويحدّد حوراني ثلاث فئات لها أنواع متباينة من السلطة الاجتماعية في الأقاليم العربية كان لديها هذه المقدرة:
١ ــ العلماء.
٢ ــ قادة الحاميات المحلية العسكرية.
٣ ــ الأعيان المدنيون: آغا، أمير، سليل عائلة ذات شوكة أو مكانة (٢٦).
ويرى حوراني أنّ "عوامل النفوذ السياسي للأعيان ترتكز على عاملين اثنين: من جهة يجب أن يملكوا منفذاً إلى السلطة، وأن يكونوا قادرين بذلك على إسداء النصح والتحذير، وبوجه عام على التكلم باسم المجتمع أو شطر منه في بلاد الحاكم، ومن جهة أخرى يجب أن يكون لهم بعض القوة أو السلطة بذاتهم أياً يكن شكلها أو أصلها. قوة غير تابعة للحاكم، وتعطيهم وضعية زعامة مقبولة وطبيعية" (٢٧).
 
 
أنواع الأسر الدينية:
على الرغم من بعض المحاولات التراثية لضبط الألقاب وما تعبّر عنه من مراتب وحالات اجتماعية وإدارية وسياسية (٢٨) فإنَّ المسيرة العامة لاستخدام هذه الألقاب كانت تشي بعدم وجود تسالم عليها بحيث تضبط هذه المراتب وتميّز بعضها عن بعض، ما خلا مصطلحي (السادة) و(الأشراف) اللذين اختُصا بالمنتسبين إلى الأسرة النبوية بالنَّسَب، وأما مصطلحا (الأعيان) أو (النبلاء) فلم يكن لهما مصداق محدّد، بل كانا يشيران إلى العلماء والأدباء والأمراء والتجار وأصحاب النفوذ إلى درجة أن مؤلفاً قديراً مثل ابن خلّكان جعل (الأعيان) وسماً لكل مشهور فقال في مقدمة كتابه (وفيات الأعيان): "ولم أقصر هذا المختصر على طائفة مخصوصة مثل العلماء أو الملوك أو الأمراء أو الوزراء أو الشعراء، بل كل من له شهرة بين الناس ويقع السؤال عنه ذكرته وأتيت من أحواله بما وفقت عليه" (٢٩)، وكذلك كان مصطلح (النبلاء) لدى الإمام الذهبي يماثل ما يعنيه مصطلح (الأعيان) لدى ابن خلكان، ولذلك شمل كتابه (سير أعلام النبلاء) كثيراً من فئات الناس من الخلفاء والملوك والأمراء والسلاطين والوزراء والقضاة والقرّاء والمحدّثين والفقهاء والأدباء واللغويين والشعراء وأرباب الملل والنحل والمتكلمين والفلاسفة مع إيثاره للمحدثين على غيرهم بحكم اختصاصه واهتمامه! كذلك كان الحال في مصطلحي (المشايخ) و(العلماء)، فمن استخدمهما بمعنى واحد لم يخرج عن سنن الخلط بين المصطلحات، ومن فرّق بينهما فإنّه اجتهد ليُلحق كلّ وصف وحالة من حالات رجال الدين بما يناسبها من الألقاب، فاستخدم مصطلح (العلماء) للدلالة على الدارسين للعلوم الإسلامية التقليدية من تفسير وحديث وفقه وعلوم آلة، وعلى مدرّسيها والمؤلفين فيها، في حين استخدم مصطلح (المشايخ) للدلالة على رجال التصوف والطريقة الذين حصّلوا طرفاً من العلوم الشرعية، ولكنهم اشتغلوا بالتربية والإرشاد عن طريق الأوراد وحضرات الذكر والموالد.
والملاحظة التي لا بدّ من ذكرها هنا هي أن معظم العلماء في سوريا منذ العهد المملوكي وحتى وقتنا الراهن كانوا من أتباع التصوف والمنتسبين إلى إحدى طرقه على أقل تقدير، حتى العلماء الذين اشتهروا بنزعتهم الإصلاحية وتوجههم السلفي انتسبوا في بداية أمرهم إلى طريقة من الطرق الصوفية وانخرطوا فيها كالشيخ جمال الدين القاسمي الذي انتسب إلى الطريقة النقشبندية على يد الشيخ محمد بن محمد الخاني، ولازم حلقته مدة ثم تركها، وكان يقول عنه بأنه من أفضل أشياخه الذين انتفع بمجالستهم.
وبناءً على هذا التفريق الذي ذكرناه يمكننا أن نميّز بين أربعة أنواع من الأسر الدينية:
 
النوع الأول: أسر السادة الأشراف:
وهي الأسر التي تنتسب إلى السلالة النبوية، ويمكننا أن نعدّ هذه الأسر ضمن الأسر الدينية لأنّ هذا النسب والانتساب يعطيها موقعاً دينياً ما يترتّب عليه امتياز اجتماعي ومادي وحقوقي، ولو لم يكن أفرادها من رجال الدين (المشايخ أو العلماء)، وقد انتشرت هذه الأسر في ربوع العالم الإسلامي كله من أقصاه إلى أقصاه، ونجم عن وجودها وانتشارها ظهور مؤسسة ترعى شؤونها دعيت (نقابة الأشراف)، وكان لها فروع في معظم الحواضر الإسلامية الكبرى (٣٠).
وهذا النوع من الأسر لا يدخل في حريم البحث، لأنّها تقوم على الوراثة لا التوريث، وشتان بينهما، فـ (الوراثة) النَّسَبية هي محض قدر لا اختيار فيها، بينما (التوريث) فعل اختياري مديد واع ملحوظ مدروس، فيه اصطفاء واجتباء، وتوطئة وتمهيد، وإقصاء وحجب وإبعاد.
 
النوع الثاني: أسر العلماء:
وهي الأسر التي يتوارث أفرادها اختصاص دراسة العلوم الإسلامية وتدريسها، ويدخل هذا النوع في باب التوارث التقليدي للمهن التي يحرص المؤسِّس عندما يبرع في اختصاصه على توريثه لأبنائه جميعهم أو بعضهم، ثم يحرصون على توريث هذه البراعة وعلى صيانة هذه الخبرات المتراكمة التي يحوزونها بحيث يصبح لهم ملكة خاصة بها في أثناء ممارستها والقيام بشؤونها، ويمسي هذا الاختصاص مصدر رزقهم ومعيشتهم، وباعث تميّزهم وفرادتهم، ولا نعدم من تتملكه فكرة شرف طلب العلم، وكونها أهم الطرق الموصلة إلى الله، فيسعى العالم ليضع أبناءه على هذا الطريق عن قناعة تامة بل عن حال يشبه الوجد الصوفي في اتخاذ هذا القرار (٣١)، وكما أننا نقع في أسماء بعض الأسر على نسبتهم إلى حرفهم اليدوية والعملية كالحدّاد والبنّا والنجّار والبيطار والجزّار والبرادعي والزنابيلي فإننا نقع أيضاً على أسماء المهن العلمية أو الدينية التي ينتسبون إليها كالمدرّس والكاتب والمهندس والمفتي والشيخ والخطيب والواعظ، بل هنالك أسر انتسبت إلى كتاب كأسرة الشاعر العراقي المشهور محمد مهدي الجواهري، إذ انتسبوا إلى الكتاب الفقهي (جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام) الذي ألّفه أحد أجدادهم وهو المرجع الشيعي الذي انتهت إليه رئاسة الطائفة محمد حسن النجفي الأصفهاني العاملي (1785 ــ 1850)، وغدوا يُعرفون بآل الجواهر، أو الجواهري! وكل كنية من هذه الكنى تحكي قصة مديدة من قصص الانتساب إلى المهنة والتحقق بها، وأضرب لذلك مثالاً واحداً من عائلة (المفتي) في مدينة أريحا التابعة لإدلب، فقد تداولت هذه العائلة منصب الإفتاء في تلك المدينة مدة ثلاثة قرون متوالية، من بداية القرن الحادي عشر إلى نهاية القرن الثالث عشر الهجري (٣٢)، وتحرص هذه الأسر عموماً على إنشاء المعاهد والمدارس الشرعية، فمنها من ينجح في مسعاه، ومنها من لا يصيب النجح، فيضطّر أفرادها إلى الشغل في معاهد الآخرين ومدارسهم، أو الاكتفاء بالتأليف والتدريس، وفي بعض الأحيان بالإمامة والخطابة.
والأمثلة الحديثة والمعاصرة لهذه الأسر في سوريا عديدة يمكن أن نذكر منها: أسرة عابدين الدمشقية التي برز منها العلامة محمد أمين عابدين (1784 ــ 1836) المشهور بكونه خاتمة المحققين في المذهب الحنفي، وكان أميناً للفتوى لدى مفتي دمشق الشيخ حسين المرادي، وابنه محمد علاء الدين عابدين (1828 ــ 1889) الذي شارك بتأليف مجلة الأحكام العدلية في إسطنبول، واشتهر تالياً من أبناء عمهم مفتي دمشق محمد أبو الخير عابدين (1852 ــ 1925)، وابنه مفتي سوريا الطبيب الشيخ محمد أبو اليسر عابدين (1889 ــ 1981).
وأسرة الزرقا الحلبية التي ابتدأت مع الجد محمد الزرقا (1842 ــ 1924)، وكان أمين الفتوى لدى مفتي حلب الشيخ أحمد الزويتي، ثم الابن أحمد الزرقا (1868 ــ 1938) الشارح الممتاز للقواعد الفقهية، ثم الحفيد الشيخ مصطفى الزرقا (1904 ــ 1999) الذي لُقّب بفقيه العصر.
وأسرة الأتاسي الحمصية التي تولى أفرادها منصب الإفتاء والقضاء منذ القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، وكان من أواخرهم تولياً الجد والابن والحفيد: محمد الأتاسي (ت: 1879)، وابنه الشيخ خالد الأتاسي (1837 ــ 1908) عضو مجلس المبعوثان، وشارح مجلة الأحكام الشرعية، وخلّف الشيخ خالد عدة أبناء من بينهم محمد طاهر (1860 ــ 1940) الذي غدا مفتياً للمدينة وعمل على طبع شرح والده وتنقيحه وتتميمه، وهاشم الذي غدا رئيساً للجمهورية السورية مرتين.
 
النوع الثالث: الأسر الدينية الطقسية:
وهي أسرٌ ما دون الأسر العلمية، حيث يكتفي أفرادها بالدراسة الشرعية من أجل قيادة الشعائر الدينية التي لا تحتاج تبحّراً ولا انكباباً وانقطاعاً للدرس والبحث، وأكثر ما تكون هذه الأسر في الأرياف إلى درجة أن بعض المساجد تغدو حكراً على عوائل بعينها يتولون الخطابة وإمامة المصلين وتلقين الأموات، كعائلة فيومي خطيب التي يتداول أفرادها إقامة الشعائر الدينية في الجامع الكبير في جوبر منذ قرابة المئة سنة، وقد انتشرت هذه الظاهرة بعد السبعينات في الجوامع الكبيرة والمركزية في المدن، ففي حلب صار جامع أسامة بن زيد من نصيب عائلة الحسون، وجامع الفتح من نصيب عائلة الشهابي، وفي دمشق غدا جامع السادات أقصاب من نصيب عائلة الفرفور، وجامع الحسن من نصيب عائلة حبنكة، وجامع زيد من نصيب عائلة الرفاعي إلخ. وساعد على ذلك إقرار مديريات الأوقاف ذلك التوارث، بل وجعله عرفاً متّبعاً ومراعىً.
 
النوع الرابع: أسر المشيخة الصوفية:
وتكون هذه الأسر في الأعم الأغلب من الأسر المنسوبة لآل البيت النبوي، وإذا لم تكن كذلك ادعى بعضها ذلك ادعاءً. ويقسّم بعضهم مراتب مشايخ التصوّف إلى ثلاث مراتب تناظر مراتب الإسلام والإيمان والإحسان، فهو إما شيخ التبرّك (الإسلام)، أو شيخ الإرشاد (الإيمان)، أو شيخ التربية والترقية (الإحسان). فشيخ التبرك هو الذي يبلغ أوراد الذكر لمن يطلبها بإذن مسند صحيح، ويقف دوره عند هذا التبليغ، وينال الآخذ عنه بركة النسبة لسلسلة الشيوخ الصالحين المتصلة بالرسول الكريم، كما ينال ثواب الأذكار والأوراد التي يلتزم بها.
وأما شيخ الإرشاد فزيادة على تبليغ الأوراد يسعى بإرشاد مريديه إلى مكارم الأخلاق ودوام الذكر وصفاء الباطن، وينفث في قلوب أهل الاستعداد عوارف المعارف وأنوار المقامات.
أما شيخ التربية والترقية فيرفع المريد إلى مقام الإحسان (٣٣).
وتقوم أسر المشيخة الصوفية على شخصية محورية مؤسسة يُكتب لها القبول والتأثير أولاً بما تحوزه من جاذبية وإقناع، ثم يُكتب لها الانتشار من خلال الوكلاء والمبلّغين الذين يأذن لهم الشيخ بنشر طريقته وأخذ البيعة من المريدين باسمه، ويجدُّ هؤلاء الوكلاء ويجتهدون ويجمّعون الأتباع والمريدين، ويكون لهم جانب من الظهور المشيخي الذي يستمد من الشيخ أولاً بأول، فالشيخ نجم والوكيل كوكب، ولكن في أية لحظة يمكن للشيخ أن يطفئ الوكيل بإعلان عزله وإقصائه، فينفض عنه الأتباع والمريدون الذين اتبعوا الشيخ من خلاله، لأنّ الكلمة العليا هي للشيخ، والحاكمية له.
للشيخ دائماً نسبان: النسب العصبي من جانب والده، والنسب الروحي من جانب شيخه. وهو النسب الأهم في عالم المشيخة، وبه تتحقّق البركة التي تنتقل من منبعها النبوي عبر المشايخ إلى أن تصل إلى الشيخ الحالي، وإذا اجتمع النسب العصبي والروحي معاً كانت البركة مضاعفة، والبركةُ قوة قدسية، وهي في أصلها عطاء إلهي، ولكنها تنتقل من الشيخ المبارك إلى من يختاره ويصطفيه بناءً على تقديره الممزوج بإلهام الله له، وهذا ما يجعل الخليفة مميّزاً عن الآخرين بمجرّد أن يُختار ويصطفى، وهذا ما يعطي (التوريث) أهميته ومعناه، وبدون هذا التوريث لا يمكن أن يغدو المريد شيخاً، ومن غير هذا الإذن لا يمكن التعويل على جهد المريد، لأن الانخراط في سلسلة المشايخ لا يتم بدون إذن الشيخ، ولا يتحقق بدون إعلانه.
وتذخر سوريا بأسر المشيخة الصوفية، كأسرة الهلالي الدرعزاني المسؤولة عن الزاوية الهلالية في حلب، وأسرتي السعدي والجباوي في دمشق نسبة للشيخ العارف بالله نزيل دمشق سعد الدين الجباوي (460 ــ  575 هـ)، وهما الأسرتان اللتان تشرفان على الزاوية السعدية في حي الميدان، والزاوية السعدية في حي الشاغور، والزاوية السعدية في حي القيمرية.
 
التوريث الديني: العلمي والمشيخي في سوريا المعاصرة:
يقرّر الباحث هايم جيربر أنّه "في كثير من الجوانب كانت منزلة العلماء في الإمبراطورية العثمانية أعلى درجةً مما كانت عليه في غيرها من نظم الحكم السابقة" (٣٤).
ويبدو أنّ العلماء حافظوا على منزلتهم إلى حين تشكل سوريا الحديثة بعد الثورة العربية الكبرى، لكنّ هذه المكانة بدأت بالتخلخل شيئاً فشيئاً، بدءاً من حلول المدارس العصرية والتعليم الحديث محل الدراسة التقليدية، بحيث ظهرت طبقة جديدة من المتعلمين بدأت تشغل الوظائف القضائية والإدارية التي كان يشغلها العلماء، واستمرت مسيرة فقد المكاسب بعد الاستقلال عن فرنسا في فترة حسني الزعيم الذي أصدر عدة مراسيم ألغى بموجبها مؤسسة الأوقاف الأهلية والذرية، وضمّ جميع ممتلكات الأوقاف إلى وزارة الأوقاف، وأنهى بموجب هذه المراسيم ولاية المتولين والنظار، وألغى أدوارهم وأوكلها إلى وزارة الأوقاف (٣٥)، فحُرم كثير من العلماء والمشايخ من مورد رزق ثابت، ثمَّ تتابع الانزلاق في فترة الوحدة مع مصر، حيث كانت العاطفة القومية وهي في أوج تأججها تحاول التقليل من شأن العلماء الذين لا يتناغمون بحكم طبيعة تكوينهم الفكري والعقدي مع الدعوات القومية، ورافق ذلك مسار محاربة النظام المصري لجماعة الإخوان المسلمين، وأخيراً استلم حزب البعث العربي الاشتراكي ذو الميول اليسارية السلطة، ورأى أن من أولى مهامه محاربة الرجعية بأشكالها كافة، وكانت طبقتا البرجوازية ورجال الدين أحد أبرز هذه الأشكال، وركّزت أدبيات الحزب على أنها لم تكن لتحارب الدين نفسه بل مستغليه ومستثمريه (٣٦)، غير أنّ البعثيين في تلك الآونة لم يلجّوا في محاربة رجال الدين إلى أبعد مدى لسببين: الأول أنهم كانوا يخشون العلماء والمشايخ لنفوذهم، والثاني أنهم كانوا يهابون ما يجهلون لبُعدهم عن روح التدين الشعبي إن لم نقل عن الإسلام نفسه، لذلك بقوا من الدين وأهله في محاذرة وترقّب، لكن حافظ الأسد أعاد بما يمتلكه من حسّ براغماتي التحالف مع هاتين الطبقتين بُعيد الانقلاب الذي قاده على رفاقه سنة 1970، مع اعتماد سياسة تقريب الموالي وإضعاف المعاند وإقصائه في البلد نفسه بالاعتقال، أو إلى خارجه بالتهجير والإبعاد.
أقام كثير من العلماء والمشايخ في سوريا، كما في معظم البلدان الإسلامية الأخرى، عوائل علمية وروحية انخرط فيها الطلاب والمريدون. للعلماء طلابهم، وللمشايخ مريدوهم. عوائل كانت تنتشر من خلال مؤسسات أو شبه مؤسسات بتجسيداتها المادية من مدرسة ومعهد وجامعة ومزار وزاوية وتكية. وإذا تركنا المدينة جانباً فإن الشيخ في الريف صاحب الجماعة والأتباع سرعان ما غدا من الأعيان الريفيين، بل من الملّاكين الكبار، ويدير أراضيه بوصفه إقطاعياً أو شبه إقطاعي، ويستثمرها ويمارس سلطة محلية، ويسخّر الفلاحين لخدمته بالحبّ تارة وبالسطوة تارة أخرى، ولكنّ الشيخ في مقابل ذلك لا يمسك يده عن الإنفاق، فالصورة الملازمة له في هذه الحالة أنّه كسّاب وهّاب، يعلّم الناس ويرشدهم من جهة، ويطعمهم ويرفدهم ويكرمهم من جهة أخرى، وفي أثناء ذلك وشيئاً فشيئاً تظهر آثار النعمة عليه، ثم آثار البذخ والتترف على أولاده، والأمثلة المعاصرة لذلك عديدة منها عائلة الخزنوي في الجزيرة السورية، وعلى نحو أقل عائلة حقي في المنطقة نفسها، أو الشيخ محمد النبهان في ريف حلب، أو سليمان المرشد في ريفي حماة واللاذقية، إلخ، يحدثنا أحد أتباع الطريقة الخزنوية السابقين عن مؤسس الطريقة الشيخ أحمد الخزنوي (1887 ــ 1950) فيقول: "سكن قرية خزنة ولهذا لقّب بالخزنوي، وأخذ ينشر الطريقة ويعلم الناس بعض أحكام الشريعة على المذهب الشافعي مما ضاعف عدد أتباعه. وكان كل تابع يحمل إليه زكاة ماله ويخدمه بماله ونفسه، [...]" ولم تمض سنين كثيرة على هذا الحال حتى أصبح أحمد الخزنوي إقطاعياً كبيراً" (٣٧). أما الشيخ محمد النبهان الذي ابتدأ أمره باستئجار قرية الجابرية في ريف حلب الجنوبي من صاحبها من أسرة الجابري، فقد غدا كل من كان في القرية من إخوانه، أي من أتباعه ومريديه، ثم اشترى الشيخ قرية الكيصومة في ريف حلب الشرقي قرب بلدة مسكنة، ثم باعها، وأقام مشروعات زراعية عدة لزراعة القطن، ومشروع كبير في مدينة جرابلس، وفي الوقت نفسه أنشأ مشاريع صغيرة في قرية تلعرن وتل حاصل، ويحدثنا حفيده الدكتور محمد فاروق بأنّ ذلك العمل "استمرّ لعدة سنوات إذ كانت المشروعات ناجحة وموفقة، ولكن ما كان يكسبه لم يكن يكفيه لتغطية مصاريفه. كان يأتيه الكثير وينفقه، ولم يدّخر شيئاً، ولم يشكُ من ذلك" (٣٨).
وكانت الطبقة الغنية تحظى بسهولة الوصول إلى الشيخ، سواءً كان الشيخ مدينياً أو ريفياً، وكان أربابها يصبحون من أهم المريدين والمقرّبين، حيث يساهمون في رفد الشيخ ودعمه وإمداده، ويستفيدون من مركزه ووجاهته وعلاقاته، فيغتني وجود الشيخ ووجود المريد في الآن ذاته، وقد يمتّن بعضهم علاقته مع الشيخ بالمصاهرة التي لا تتم إلا إذا استشرف فيها الشيخ إمكانات المصاهر المادية أو المعنوية بالفعل أو القوة.
يسهم التوريث الديني في المحافظة على البقاء الاجتماعي للعائلة العلمية والروحية، ولكن التوريث ههنا لم يكن ضمن الفضاء الواسع للعائلة العلمية أو الروحية، ولكنه كاد أن ينحصر في أفراد عائلة الشيخ المؤسِّس أو المستأنف، ويحدثنا الطبيب الشيخ جمال الدين الهلالي (1935 ـــ 2019) شيخ الزاوية الهلالية في حلب أنّه "منذ عام:  1279هـ لم تصدر إجازة عن الزاوية الهلالية بالخلافة في التسليك والإرشاد لأحد غير الخليفة الرسمي الذي يوصي له الشيخ – وغالباً ما يكون أحد أولاده – وذلك لانعدام الكفاءة في رأي شيوخها، وقد بقيت في نسله للبركة فقط" (٣٩)، وفعلاً فإن المشيخة انتقلت إلى الشيخ محيي الدين الهلالي بعد وفاة والده الشيخ جمال الدين، وهو الآن شيخ الزاوية الهلالية.
ويسلّم الطلاّب والمريدون بذلك من دون اعتراض ما دام النص على الوريث جلياً وواضحاً وما دام الخليفة واحداً، ففي سلسلة الشيخ محمد أبو النصر بن الشيخ سليم خلف الحمصي النقشبندي تم الانتقال إلى ابنه الشيخ عبد الباسط، ثم إلى حفيده الشيخ إسماعيل عبد الخالق، واليوم يدرك جميع أتباع الشيخ إسماعيل أنّ ابنه بشار هو الوريث المرتقب في المستقبل، ولكن تحدث المشكلة حين يعيّن الشيخ أبناءه خلفاء له على التوالي من الأكبر إلى الأصغر، وعندئذ يدبّ الخلاف بين أولاد الإخوة ويغدو التناحر والاتهام الصبغة التي يصطبغون بها، ويمكن أن نمثّل لذلك بحالة التوريث التي قام بها الشيخ أحمد الخزنوي النقشبندي، فقد كان له أربعة أولاد:
محمد معصوم (1915 ــ 1958)، وعلاء الدين (1919 ــ 1969)، وعز الدين (1930 ــ 1992) من زوجة، وعبد الغني (1951 ــ .....)  من زوجة أخرى، وقد أوصى الشيخ أحمد بخلافتهم على التوالي، وهكذا استلم رئاسة الطريقة أولاً الشيخ محمد معصوم، ثم أخوه الشيخ علاء الدين، ثم أخوه الشيخ عزّ الدين، غير أنّ عز الدين لم يوص بالخلافة لأخيه عبد الغني وإنما لابنه محمد، وهكذا حدث النزاع بين محمد وعبد الغني الذي رفض خلافة ابن أخيه، وانقسمت الطريقة إلى فرعين:
ــ فرع تل معروف بقيادة محمد الخزنوي ومعه القسم الأكبر من المريدين.
ــ فرع قرية خزنة جماعة الشيخ عبد الغني، وقد وقف الشيخ معشوق بن عز الدين إلى جانب عمه عبد الغني، ولذلك يتّهم كثير من مريدي الشيخ عبد الغني فرع تل معروف بقتل الشيخ معشوق، ويرفض بعضهم السيناريو الذي يتحدث عن أيادي المخابرات الأسدية في قتله، ويذهب آخرون إلى توافق مصلحة المخابرات وفرع تل معروف في تصفيته، أما المخابرات فلتجاوزه الخطوط الحمراء في دعم الحركة الكردية المطالبة بإنصاف الكرد والاعتراف بقضيتهم (٤٠)، وأما فرع تل معروف فلتجاوزه حدود انتقاد المشايخ واعتراضه على البدع والخرافات التي يتلبّسون بها، ويلقّمونها أتباعهم ومريديهم.
ويحدث الخلاف أيضاً حين يتنازع تلميذان مقربان خلافة شيخهما، ويدّعي كلٌّ منهما أنّه الأحق بها وأنّه الوريث الأصلي لها، كما حدث في وراثة الشيخ عبد القادر عيسى بين الشيخين بكري حياني وأحمد الجامي، حيث ادعى الشيخ أحمد أنه الوحيد المأذون بالإذن الخاص، فدعى كبار المشايخ من تلامذة الشيخ عبد القادر لمبايعته، وعندما رفض الشيخ بكري ذلك أعلن الشيخ أحمد أنّ الشيخ بكري لا يمثّل الطريقة الشاذلية، فانفضّ عن الشيخ بكري عدد لا بأس به ممن كان يلازمه، لكن الشيخ صبر وصمد، ورمّم ما تساقط وانمرط، ويمكن أن نشير كذلك إلى صورة أقل حدّة مع نزيل دمشق الشيخ عبد الله فائز الداغستاني النقشبندي (1891 ــ 1973) الذي استقرّ في جبل قاسيون وبنى مسجداً صغيراً بجوار بيته، وفيه دُفن، ويُعدّ هذا المكان اليوم مزاراً لآلاف الصوفية النقشبندية وخاصة لصوفية داغستان، وقد تساوق في خلافته تلميذاه الأكثر قرباً: الشيخ حسين العلي الكردي (1918 ــ 2008) الذي كان يقيم في عفرين قرب حلب، وكان أقدم تلامذة الشيخ عبد الله، ودخل معه الخلوة مدة أربعين يوماً، والشيخ الأكثر شهرة محمد ناظم حقاني القبرصي (1922 ــ 2014)، ويدّعي اليوم تلامذة كل شيخ منهما أن سلسلة الطريق النقشبندي تنتهي عند شيخهم وابن شيخهم، فقد خلف الشيخ حسين العلي ابنه الشيخ علي (1972 ــ ....)، وخلف الشيخ محمد ناظم ابنه الشيخ محمد محمد عادل (1957 ــ ...)، لكن ما يغفل عنه تلامذة الشيخ حسين العلي وهم يتحدثون عن أحقية شيخهم بالخلافة هو تزوج الشيخ ناظم من ابنة شيخه عبد الله فائز، ويُنظر إلى هذه المصاهرة بوصفها المرجّح لكفة الشيخ الحقاني في الوراثة، ولذلك يردد أتباع الشيخ ناظم قائلين إنّه بفعل المصاهرة والتلقين والمصاحبة آلت إلى شيخنا مشيخة النقشبدية بعد وفاة الشيخ عبد الله الداغستاني وأصبح شيخنا الشيخ الأكبر للطريقة النقشبندية، وهذه الحالة بالذات تلفت نظرنا إلى قضية (الصهر)، أو (الداماد) الذي يكتسب شرعية من والد زوجته، ويغدو امتداداً له من خلال ابنته، وهذه الظاهرة لها تجلياتها الصوفية والسياسية الكثيرة والوفيرة في التاريخ والحاضر.
 
حرص الآباء على التوريث:
وهذا الحرص على التوريث يكون من قبل الأب تارة ويتجلى في حرص الشيخ على تهيئة ابنه لخلافته، ونرى مصداق ذلك تاريخياً في حرص بعض العلماء على حضور ابنه الصغير الذي بالكاد يبلغ سنّ التمييز مجالس السماع ورواية الحديث ليضمن له علواً في السند حتى يغدو مصدراً من مصادره في قابل الأيام تمهيداً لتوريثه المكانة العلمية أو وظائف التدريس التي يحوزها الوالد، وفي ذلك يقول ابن الصلاح في مقدمته: "ولم يزالوا قديماً وحديثاً يُحضرون الصبيان مجالس التحديث والسماع ويعتدّون بروايتهم" (٤١).
ونقرأ في ترجمة شيخ الطريقة الخلوتية في حلب عبد القادر الهلالي الدرعزاني (1879 ــ 1966) أنّه "كان يافعاً لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، فلمح فيه والده الشيخ أحمد الهلالي [ت: 1891] مخايل الفطنة والذكاء، فدعا مفتي المدينة، ونقيب الأشراف فيها، وعدداً كبيراً من علماء المدينة وشيوخها، وأوصي بالمشيخة له أمامهم، وأشهدهم على ذلك، شرط أن يتقدم حين بلوغه بامتحان أمام المفتي والعلماء في العلوم الشرعية، مع ابن أخيه الشيخ إبراهيم بن الشيخ محمد سعيد الهلالي، فإن فاز على ابن عمه، أو تساويا في المعرفة، كانت المشيخة له، وإن فاز عليه ابن عمه أخذها، وشاء الله أن يتوفى والده بعد عام من هذه الوصية، فعُدَّ الشيخ عبد القادر شيخاً (للزاوية الهلالية) تحت وصاية الشيخ عبد الرحمن الحجار (ابن شنون)، وعند ذهاب الشيخ عبد الرحمن إلى الرقة مفتياً، أوكل الوصاية على الشيخ عبد القادر إلى الشيخ عبد القادر الحبّال" (٤٢).
وفي كثير من الأحيان لا يمنع الوالد ضعف كفاءة ولده ولا ضيق الاستعدادات التي يحملها والتي لا يقوم مقامها أي بديل آخر، ولا حالة الضمور التي تتلبسه من أن يعلنه خليفةً له! ولا يمكننا في هذا المجال أن نؤطّر علاقة الآباء بالأبناء وبالعكس من خلال إطار واحد، ولا أن نفسّرها بنظرية واحدة، ونحيل هنا إلى مناقشة عبد الله حمودي لهشام شرابي الذي يتسلح بنظرية بياجيه في وصف الروابط بين الأب والابن بخصوص تكوين الضرورة الأخلاقية عند الطفل، ويقول إنه لا يوجد في الأسرة العربية انتقال فعلي للطفل من التبعية إلى الاستقلال لكنّ عبد حمودي يستحضر بعض الوقائع التي تخالف ما يسمّيها مزاعم هشام شرابي من كون عدد كبير من الآباء يلحون على الطاعة إلا أنّهم في الوقت نفسه يلقّنون أبناءهم الذكور حسَّ التحدي وأخلاقياته (٤٣).
وأمثلة هذا الحرص اليوم تفوق العد! منها ما يقوم به وزير الأوقاف الحالي محمد بن عبد الستار السيد الذي استلم وزارة الأوقاف سنة 2007، وخلف والده عبد الستار السيد بعد حوالي ثلاثة عقود (٤٤)، وهو الآن يؤهّل ابنه عبد الله السيد ليحلّ مكانه في المستقبل، وقد اخترع له من أجل ذلك مهمة مستقلة في وزارة الأوقاف دعاها (فريق الشباب الديني) وأوكل قيادتها إليه، أما مفتي الجمهورية الشيخ أحمد حسون فلم يقع اختياره على ابنه البكر الشيخ أديب الذي يتميّز بالطيبة والدماثة وحسن الخُلق، ولكن يبدو أنّه لا يمتلك الطموح الكافي ليكون خليفة والده، ولذلك وقع الاختيار على ابنه الشيخ عبد الرحمن، فاتخذه مرافقاً له في حلّه وترحاله، يتصدر في المجالس ويتقدم الصفوف، في إشارة واضحة للتهيئة والتمهيد والتعميد.
أما الأمثلة المستثناة من حرص الآباء على توريث أبنائهم فقليلة جداً، كشيخ الطريقة الشاذلية محمد الهاشمي التلمساني (1881 ــ 1961)، الذي أبى أن يعلن ابنه خليفةً حصرياً له علماً أنّ ابنه أحمد كان رجلاً صالحاً ومؤهلاً ليكون خليفة ووريثاً، ولكن الشيخ الهاشمي كان يرى أنّ تلميذه محمد سعيد البرهاني (ت: 1967) أكثر أهليةً وجدارة، ولذلك كان يشير إليه مصرّحاً غير ملمّح، وعلى نفس المنوال جرى الشيخ الشهير عبد القادر عيسى تلميذ الشيخ الهاشمي حيث لم يرسّم ابنه الشيخ عبد الله (ت: 2019) خليفةً له، بل توزّعت خلافته بين الشيخ بكري حياني والشيخ نديم الشهابي والشيخ محمد بشير كرمان، والشيخ سعد الدين  مراد من حماة، وفي فترة لاحقة ومتأخرة الشيخ أحمد فتح الله جامي من تركيا، وكذلك فإن الشيخ عبد الرحمن الشاغوري (1914 ــ 2004) وهو أحد أهم خلفاء الشيخ محمد الهاشمي لم يورّث أبناءه خلافة الطريقة الشاذلية، بل خلّف بعض تلامذته كالشيخ عبد الهادي الخرسة والشيخ أديب الكيلاني، والطبيب الشيخ محمد أبو الهدى الحسيني وغيرهم.
 
حرص الأبناء والأحفاد:
وقد يكون هذا الحرص من قبل الابن أو الحفيد الذي يستثمر في الرأسمال الرمزي الذي يخلّفه الجد أو الوالد، فتراه يكتب سيرة المؤسّس، أو سيرة الرجل المركزي في هذه الأسرة، دعماً لنفسه، وتأكيداً على امتداده وانتسابه ووراثته لهذه السيرة التي يدوّنها وينشرها أو دعماً للأسرة بمجملها (٤٥)، أو يوعز لأحد التلاميذ الصادقين النابهين المقربين ليقوم بهذه المهمة، مع التركيز على صفتي (الحسيب النسيب)، فالحسب والنسب هنا صفتان لا معدل عنهما ولا يجوز إغفالهما، ولا بأس في هذه الحالة أن تنتسب أسرة كردية مشهورة في كرديتها إلى آل البيت، لتتميز بذلك عن بقية الأسر الكردية وتعلو عليها! وهنا يتمّ التساؤل دائماً عن مصداقية هذه السيِّر وجدّيتها، وكيف علينا، ونحن نطالعها، أن نراوغها كما ترواغنا!
لهذه السِّير المكتوبة أهداف مضمرة في إدارة دفة التوريث لا تستبين للوهلة الأولى، حيث توّجه النظر إلى جهة، وتصرفه عن جهة أخرى بالتصريح مرة، وبالسكوت والتغاضي مرة أخرى، ويمكن أن نضع كتاب (السيد النبهان نادرة الأزمان) بمجلداته الثلاثة لمؤلفه هشام عبد الكريم الآلوسي في هذا السياق، حيث يؤكد في البداية على أنّ الشيخ محمد النبهان لم يخلّف أحداً في وراثته، ويورد أقوالاً عدة على لسان الشيخ في مناسبات مختلفة تبيّن هذا الأمر، وفي ذلك سحب لبساط الوراثة من تحت أرجل كبار تلامذة الشيخ الذين ذاع صيتهم وكوّنوا جماعات، كالشيخ محمد صندل (ت: 2017) الذي كان له امتداد لا بأس به في الريف الحلبي الجنوبي (جزرايا وما حولها)، والشيخ محمد أديب حسون (1915 ــ 2008) والد مفتي الجمهورية السورية الحالي الشيخ أحمد حسون، والشيخ محمود ناصر الحوت (1956 ــ ...)، ثم يركّز على ابنه أحمد الشهير بأبي فاروق ، ويتحدّث عن خلافته لأبيه في إدارة الكلتاوية، التي استمرت من وفاة الشيخ محمد النبهان سنة 1974، إلى وفاة الابن أحمد سنة 2003، ثم يتحدث عن الحفيد غسان بن أحمد الذي خلف أباه في إدارتها لمدة سنتين، ثم الحفيد الآخر بشار بن أحمد، وهنا يتمّ التعتيم على دور محمود الحوت تعتيماً كاملاً، فلا يرد له ذكر على الرغم من كونه شريكاً في هذه الإدارة، وعلى الرغم من شهرته ذائعة الصيت بوصفه (عملاق المنابر) والمساهم الأكبر في تثبيت صورة الشيخ  العارف بالله محمد النبهان وتعميمها ونشرها، وعلى الرغم من كونه صهر أبي فاروق نفسه، أي: زوج ابنته! يقول الآلوسي: "حدّثني الابن الأكبر السيد أحمد أبو فاروق المكرّم مرتين أنّه سمع سيدنا يقول: من بعدي أحمد أبو فاروق، ومن بعده غسان" (٤٦).
وإذا جاز لنا استخدام مصطلح (الصفات السائدة والمتنحية) في علم الوراثة الجيني فيمكننا أن نقول إنّ هذه الوراثة الدينية قد تغيب عدة أجيال ثم تظهر فجأة وتستفيد من الجد المؤسس مهما علا، كالشيخ محمد راتب النابلسي (1939 ــ ...) الذي يتم التعريف به في ويكيبيديا: "في عام 1974 صعد خطيباً على منبر جَده الشيخ عبد الغني النابلسي، وأسَّس في المسجد ذاته عدة دروس أسبوعية، درَّس فيها العقيدة، والتفسير، والحديث، والفقه، والسيرة"، لكن هذا الجد ليس الجد المباشر كما ينصرف إلى ذلك ذهن القارئ لدى أول وهلة، فقد توفي الشيخ عبد الغني سنة 1731، وتذكر جميع المواقع الإلكترونية في النت التي ينقل بعضها عن بعض أنّ والد الشيخ راتب أيضاً كان من علماء دمشق، من دون أن تذكر اسم هذا الوالد على الإطلاق، ومن دون أن نعرف نحن المجايلين اسمه، على أنّنا لا نستطيع الجزم هنا بأن الشيخ راتب النابلسي ينتمي فعلاً لعبد الغني النابلسي، فالعوائل التي تتخذ من هذه التسمية لقباً لها عديدة، ولا يجمعها رابط سوى الانتساب إلى مدينة نابلس.
 
وشائج التوريث الديني والسياسي:
توصّل عالم الأنثربولوجيا المغربي عبد الله حمودي في كتابه (الشيخ والمريد) إلى فرضيةٍ حول المجال السياسي المغربي تقول بـتسرب مفاهيم أو تقاليد ثقافية من مجال الصوفية إلى المجال السياسي، وأهم هذه المفاهيم والتقاليد التي استندت إليها علاقات السلطة واستمدت منها ديناميتها هي علاقة الشيخ بالمريد، وبالتالي فإن هذه العلاقة غدت المثال النموذجي للعلاقات السلطوية السياسية في المغرب، وما قاله حمودي ينطبق على سوريا ولاسيما في فترة البعث الأسدية التي سُمّي انتخاب الرئيس فيها بالبيعة، وغدت مناسبة لحضرةٍ وطنية يرقص فيه المواطن ويدبك فيه المسؤول على نغمات الأغاني الوطنية المصحوبة بالطبل بدلاً من الدُّف، والبيعة هنا لا تحيل إلى المعنى السلطاني فقط، ولكن إلى معناها الصوفي، فالمريد يبايع الشيخ، والمواطن يبايع الرئيس، ومن الطبيعي عندئذ أسوة بمعظم مشايخ الطريق أن يرث الابن مشيخة/رئاسة أبيه، وفي التوريث لا وجود لانتخاب واختيار، وإنما طاعة وبيعة لمن نال وورث، يمهّد لها الأب، ويتولى كبار المحيطين به إضفاء الهالة على الابن التي تسبغ عليه الجاذبية والرسوخ، ويسلّم العقل المستلَب هذا الانتقال ويتقبله بقبول حسن، لتشرّبه نظرية التسليم الصوفية القائمة على الحياء والخضوع والخدمة وسلب الإرادة، والتي يغدو المريد فيها بين يدي شيخه كالميت بين يديّ المغسّل، وإن وُجد مَنْ هو أولى وأجدر من هذا الوريث علماً وخُلقاً وملكات، لأنّ "الشيخ الملقّن هو من يصنع التلميذ المريد شيخاً جديداً، وبدون هذا التلقين والتوريث لا شيء يمكن أن يسعف المريد: لا قدراته ولا أهليته ولا استقامته ولا صلواته ولا أدعيته ولا تهجداته ولا أي مجهود يقرّبه من مصادر الإلهام" (٤٧)، ويذعن العقل البيروقراطي المدجّن الذي يظهر ولاءه بالتنفيذ الأمين لواجباته الرسمية إلى قرار انتقال السلطة السياسية من الأب القائد إلى القائد الشاب إذعاناً تاماً، ويتشرّب فكرة التوريث والانتقال، ويتلقى إشعاعاتها أو إشاراتها التي يبثّها الشيخ/ الرئيس آناً بعد آن، ويتمثّلها ويغدو التوريث ساعتئذٍ فرصة أكيدة لتجديد حقيقي في السلطة التي كان يحوزها الأب أولاً والابن تالياً.
يشعر أرباب التوريث الديني والسياسي بالتعاطف مع بعضهم بعضاً، وبوجوب دعم بعضهم بعضاً، ضمن شبكة الولاء والمصالح، ويغدو السياسي حريصاً على دعم التوريث الديني، وسوف يُرد جميله وتُشكر أياديه وآلاؤه بدعم توريثه السياسي لاحقاً، ومن هنا حرصت السلطة الأسدية على استمرار سلالة الشيخ محمد الشامي الذي اغتيل في مسجده (السلطانية) سنة 1980، فيرسل في طلب ابنه الشيخ محمد صهيب الشامي الذي كان يدرس في فرنسا ويعينه مديراً لأوقاف حلب سنة 1982، حتى يرث منزلة أبيه ومكانته الدينية والاجتماعية ، ويظل فيها إلى سنة 2005، وربما لولا هذا الاستدعاء والتوظيف لظل صهيب الشامي في فرنسا، أو اختط درباً آخر بعيداً عن المسار الذي سلكه وثبّت من خلاله اسم عائلة الشامي ضمن الأسرة الدينية، وتحرص هذه السلطة الآن كذلك على توريث الدكتور توفيق البوطي منصب رئيس اتحاد علماء بلاد الشام الذي كان يشغله والده قبل أن يُغتال في مسجد الإيمان بدمشق سنة 2013، وتعيّنه خطيباً للمسجد الأموي الذي كان يخطب فيه والده في آخر حياته، رغم أن الولد لا يحمل أي صفة من صفات جاذبية الوالد التي جعلته يتصدر المشهد الديني لسنوات عديدة في سوريا.
ويمكننا الإشارة هنا أيضاً إلى أبناء السويداء المعارضين للسلطة الأسدية الذين يتداولون فيما بينهم أنّ هذه السلطة هي التي سهّلت توريث منصب (مشيخة العقل) الدرزي للشيخ يوسف جربوع خلفاً لوالده شيخ العقل حسين جربوع (1925 ــ 2012)، الذي استلم مشيخة العقل عام 1965 بعد وفاة والده أحمد جربوع الذي كان شيخاً للعقل كذلك، وقد ظهرت بعد تثبيت الابن يوسف في هذا المنصب صفحة على الفيس بوك عنوانها: (نعم لإسقاط التوريث الديني في سوريا) (٤٨)، ولا شكّ في أنّ السلطة الأسدية كانت ممتنّة من أداء الشيخ حسين لذلك فقد سارعت إلى تعيين ابنه في السنة نفسها من وفاته، وفي المقابل يتداول أبناء السويداء شكوكهم في موت شيخ العقل أحمد الهجري (1954 ــ 2012) بحادث سيارة، وكان الشيخ أحمد قد استلم مشيخة العقل عام 1989 خلفاً لوالده شيخ العقل الشيخ سلمان الذي توفي في ذلك العام، ويرى بعض أبناء السويداء في استلام أخيه الشيخ حكمت الهجري صورة من صور التوريث الديني المدعوم سياسياً كذلك، حيث جاء موت الشيخ أحمد فرصة مناسبة للسلطة لتطوي صفحة شيخ لم يتصف بالمرونة معها، وليحلّ مكانه أخوه الذي بات يُعرف بلقب (القائم بأعمال النظام)! غير أنّ هذا الرضى والتسهيل السلطوي يجب ألا يحجبنا عن وضع أسرتي الجربوع والهجري اللتين يتوارث أبناؤهما مشيخة العقل جيلاً بعد جيل، ومنهم من تسلّم منصب القضاء المذهبي مثل الشيخ حمود الجربوع (ت: 1943)، ثم الشيخ يونس الجربوع (ت: 1947)، فهذا التنصيب جرى بيسر ضمن تقليد مشيخي وحالة معترف بها من التوريث المتكرّر، ويحدثنا المستشرق الألماني ماكس أوبنهايم عندما زار جبل الدروز في نهاية القرن التاسع عشر عن الشيخ حسن الهجري، وهو أحد أسلاف شيخ العقل الحالي حكمت الهجري فيقول: "بعد عام 1894 عمّت الفوضى في حوران، وانتعشت بين الشعب الدرزي الخلافات والانقسامات القديمة وسادت الفوضى في كل مكان، ولم يبقَ أي نفوذ إلا للشيخين الدينيين حسن الهجري في قنوات وحسين طربيه في السويدا" (٤٩)، فالشيخ حكمت الهجري ينتسب إلى أسرة مشهور في المشيخة، ولم يكن تنصيبه خارج إطار التقاليد المتوارثة. لكن هذا الأمر بحدّ ذاته يستدعي بحثاً خاصاً حول استفادة السلطة من هذه التقاليد، ومن لويها وتطويعها لتصب في مصلحتها.
 
خاتمة:
يقوم كلا التوريثين العلمي والمشيخي على الإجازة، غير أنّ نظام الإجازة العلمي فقد معظم قيمته بوجود المؤسسة العلمية الرسمية، فلم تعد معايير هذا النظام شخصية بحيث يتحكم العلماء في نقل المعرفة من خلال الشهادة الشخصية بأنّ هذا الطالب قد أتقن العلوم الشرعية الفلانية، بل غدا الأمر مرهوناً بالدراسة الجدية في المدرسة والجامعة، وبالحصول على شهاداتها، ولذلك فإنّ التوريث العلمي غدا أكثر مصداقية في الواقع، وإذا تمّ تجاوز هذه المعايير العلمية فإنّ سلسلة التوريث تنقطع ويغدو اسم الأسرة مجرد ذكرى، أما في التوريث المشيخي والطرقي فظلّ الأمر بلا معايير سوى معيار إرادة الشيخ نفسه وشهادته وتقييمه حيث يقع الشيخ في آخر حلقة من سلسلة المشايخ، وبإرادته المنفردة فقط يربط من يريد بهذه السلسلة، وبإرادته يفكّ ويُقصي، ولكنّ حسن اختياره للخليفة هو الذي يحكم ببقائه وبقاء سلسلته، فكم من شيخ حقّق شهرة وانتشاراً في حال حياته، ثم انقطع ذكره لعدم قيام من بعده بأداء واجب المشيخة حق القيام فقضى على اسمه بالتلاشي وعلى طريقته بالامّحاق، كما حدث مع الشيخ محمود أبو الشامات (ت: 1920) شيخ الطريقة الشاذلية اليشرطية الذي يُقال بأنّ السلطان عبد الحميد كان ممن انتسب إلى طريقته، لكن بعد وفاته لم يكن بين أولاده وتلامذته من يقوم بشؤون الطريقة خير قيام، فذوى نشاط الطريقة شيئاً فشيئاً إلى أن توقف بالكامل.
ولعلنا لاحظنا أنّ السلطة في سوريا كانت تساهم في ترسيخ ظاهرة التوريث الديني من خلال التغاضي عنها من طرف، أو تسهيل أمورها وتيسيرها من طرف آخر، ويدرك ذلك كل من كان على معرفة مباشرة بمديريات الأوقاف، وكيف كانت وما زالت تتعاطى مع هذه المسألة، إذ يكفي أن يحوز الابن أدنى المؤهلات حتى يخلف أباه في إمامته أو خطابته متخطّياً من هو أحق وأولى وأكثر تأهيلاً وكفاءةً، على أنّ هذا الجانب السلبي من التوريث الذي قد يحرم المستحق، ويقدّم الأقل كفاءة يقابله جانب آخر يراعي التقاليد في الإطار الديني ويحافظ عليها ويضمن لها الاستمرارية والبقاء، ويسهّل عملية الانتقال في المناصب الدينية المهمة كقيادة طائفة ما دينياً، إذ يقلّص عدد المرشحين إلى حدّه الأدنى، فيخفّف من حدة التجاذبات والمناكفات والتزاحم، لأنّ نتيجة الخلافة تكون معروفة سلفاً ومعترفاً بها ضمناً.
وإنّ ما ورد في هذا البحث هو مجرد لمحات خاطفة ما زالت تحتمل التوسع والاستفاضة، ومزيداً من التفكير والتحليل في أمثلة التوريث المتعددة لبناء نظرية تستوعب الاحتمالات والصور والحالات، ونحن هنا لا ننكر أننا عالجنا هذا البحث وعيننا على مقولة بورديو الشهيرة التي هي معضلة بحدّ ذاتها: (النظرية بدون بحث إمبيريقي خواء، والبحث الإمبيريقي بدون نظرية هراء)، ونرجو أننا وفّقنا للسير على تخوم الخواء والهراء من دون أن نقع فيهما.
 
الهوامش:
(١) اشتهر من أفراد هذه العائلة الحاخام يعقوب أبو حصيرا (1805 ــ 1880)، المدفون في قرية ديميتوه قرب دمنهور في مصر، وكان اليهود يتجمعون عند ضريحه سنوياً في شهر كانون الأول ويقيمون مولداً له بوصفه من الشخصيات اليهودية المباركة إلى أن صدر قرار من محكمة القضاء الإداري في مصر سنة 2014 بإلغاء هذا الاحتفال. انظر: https://www.youtube.com/watch?v=cLt9DN2HrUE
(٢) هنالك مواقع إلكترونية عديدة مليئة بالجداول والإحالات والمراجع والمصادر التي تتتبّع هذه الأسر، مثل هذا الموقع على سبيل المثال:
https://www.jewishgen.org/rabbinic/infofiles/surnames.htm
 
(3) Martin Rudolph , Tossanus: Eine Gelehrtenfamilie in Heidelberg und der Kurpfalz im Zeitalter der Reformation
.(Degener, 2010 Insingen)
(4) Wilhelm Hahn, Der Ruf ist immer neu: Aus 200 Jahren der baltischen Theologenfamilie Hahn.
2002). (Haenssler-Verlag,
 
(٥) انظر عين القضاة الهمداني، شكوى الغريب، تحقيق عفيف عسيران، (طهران، انتشارات دانشكاه تهران)، ص 15. وقد وردت الآية الثانية في هذا الاستشهاد في الكتاب هكذا: {وممن خلقنا أمة يهدون إلى الحق} من دون أن ينبّه المحقق إلى سبق القلم فيها، وفي هذا الكتاب نقع على رؤية تفسيرية وتسويغة لعلاقة الشيخ بالمريد جديرة بالاطلاع والتأمل، وهي رؤية ما زالت مفعّلة وفاعلة لدى كثير من الشيوخ في زمننا.
(٦) انظر: مارغريت ميري ويثر، القرابة الحقة: العائلة الحلبية والمجتمع في العهد العثماني، خالد الجبيلي (مترجماً)، (حلب: دار شعاع للنشر والعلوم، 2002)، ص 8.
(7) MICHAEL CHAMBERLAIN, Knowledge and social practice in medieval .(Cambridge University Press 1994)Damascus, 1190-1350.
 
(٨) انظر: المصدر السابق، ص 16.
 (٩) يمكن أن نشير هنا إلى عنوان كتاب ريتشارد بوليت:
R. Bulliet, The Patricians of Nishapur (Cambridge, MA, 1972).
فاستخدام بوليت كلمة النبلاء أو الأرستقراطيين ههنا مهما كانت مشابهة للطبقة التي يروم دراستها فإنها لن تتطابق معها، وستظل محض تنزيل لمفهوم اجتماعي غربي على محيط اجتماعي شرقي تأباه الدقة المنهجية، ولا يمكن تمريره إلا على سبيل التجوّز.
 (١٠) انظر: محمد الصادق حسين، البيت السبكي: بيت علم في دولتي المماليك، ط 1، (القاهرة: دار الكاتب المصري، 1948).
(11) Manami Kondo, The Rise of the ‘Ulama’ Family under the Mamluks The Case of al-Subki Family (نشرة جمعية دراسات الشرق الأدنى في اليابان، (عدد 1، سنة 1999). وقد اعتمدت هذه الدراسة المكتوبة باليابانية على كتاب محمد الصادق حسين أيضاً.
 (١٢) انظر: محمد الصادق حسين، البيت السبكي: بيت علم في دولتي المماليك، 61 و62.
 (١٣) المصدر نفسه، ص 59.
 (١٤) ينقل محمد الصادق حسين عن المستشرق الألماني وستنفلد أنّ سبب عزله إصراره على أحكام أصدرها لم تعجب أولي الأمر، وطلبوا منه العدول عنها، ويعلّق محمد الصادق حسين على ذلك فيقول: "لكني لم أعثر على شيء من هذا القبيل فيما تيسّر لي من المصادر العربية، وكل ما وجدته فيها ما ورد في الدرر الكامنة عن سبب العزل في المرة الأخيرة والمحاكمة ونتيجتها وهي اعتقاله 80 يوماً في قلعة دمشق سنة 769 هـ. قال [ابن حجر في الدرر الكامنة]: "وكان من أقوى الأسباب في عزله في المرة الأخيرة أنّ السلطان لما رسم بأخذ زكوات التجار سنة 769 هـ وجد عند الأوصياء جملة مستكثرة صُرفت بعلم القاضي بوصولات ليس فيها تعيين اسم القابض، فأريد من ناظر الأيتام أن يعترف أنّها وصلت للقاضي فامتنع فآل الأمر إلى عزل القاضي"، ثم يتساءل محمد الصادق حسين: "هل كانت ذمة تاج الدين قابلة لهذا الضعف المالي كما يؤخذ من عبارة الدرر؟ أرى أنّ هذا بعيد، فقد عُرف عن تاج الدين ترفعه وصلابته وشدته على أولي الأمر". انظر: البيت السبكي، ص 17.
 (١٥) يمكن الرجوع لكتاب عرف البشام فيمن ولي فتوى دمشق الشام وذيليه وقراءة أسماء المفتين في تلك الفترة وتواريخهم: علي العمادي وابنه حامد العمادي، وعبد الرحمن العمادي وابنه عماد الدين بن عبد الرحمن العمادي، وعلي بن إبراهيم بن عبد الرحمن العمادي، ومحمد بن علي بن إبراهيم العمادي، وحامد بن علي بن إبراهيم العمادي، وعلي المرادي، وأخوه المولى السيد حسن المرادي، ثم محمد خليل بن علي المرادي صاحب سلك الدرر.. إلخ. انظر: محمد خليل المرادي، عرف البشام فيمن ولي فتوى دمشق الشام، تحقيق محمد مطيع الحافظ، ورياض عبد الحميد مراد، (دمشق: دار ابن كثير، سنة 1988).
 (١٦) يقول المرادي: "وبنو الكواكبي طائفة كبيرة أهل فضل ورياسة ولهم طريقة معروفة أردبيلية تنتهي إلى الاستاذ جدهم الكبير الشيخ صفي الدين والحق إسحق الأردبيلي، ولهم سيادة الشرف من جهة المذكور، وأما المترجم [يعني أبا السعود الكواكبي] فكان حائزاً للشرفين، فإنه كان شريفاً أيضاً من جهة والدته التي هي الشريفة عفيفة ابنة السيد الحسيب الشريف السيد بهاء الدين النقيب الحلبي المعروف هو وآباؤه ببني الزهرا الذين امتدح جدهم الشريف أبا محمد إبراهيم المنتقل من حران إلى حلب أبو العلا المعري في تاريخه وقصائده، وكلهم نقباء في حلب وشرفهم أشهر من كل مشهور والله أعلم". انظر: محمد خليل المرادي، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، (القاهرة: مطبعة بولاق)، ج 1، ص 58.
 (١٧) يقول الشيخ كامل الغزي في حديثه عن أشهر عوائل إدلب: "منها آل الكيالي وهي أسرة كبيرة فيها عدد عظيم من الفضلاء والأدباء وذوي الوجاهة والثراء ذكرنا بعضهم في باب تراجم الأخيار.
أما وجيه هذه الأسرة الآن في مدينة إدلب فهو الأستاذ الفاضل الشيخ طاهر أفندي المعروف بالملّا عالم غزير مادة العلم فصيح العبارة طلق اللسان يعظ الناس ويرشدهم ويقرئ الطلبة في بلدته فيجتنون من دوحة فضله ثمار العلوم من منطوق ومفهوم.
ومن نوابغ هذه الأسرة السيد يحيى الكيالي مدير أوقاف دولة حلب فهو ممن أوتي نصيباً وافراً من المعارف التي تلقّاها في مكاتب الدولة ونال قسطاً عظيماً من الذكاء والفطنة والأمانة والاستقامة والحرص على حسن الأحدوثة وخدمة الوطن وتخليد الذكر". انظر: كامل الغزي، نهر الذهب في تاريخ حلب، (حلب المطبعة المارونية)، ج 1، ص 627.
 (١٨) يصف الشيخ الغزي هذه الزاوية بقوله: "هي الآن زاوية عامرة وللناس اعتقاد حسن بمن دفن فيها فيقصدونها للاستشفاء من الأدواء وينذرون لها النذور. وهي سماوي يبلغ خمسة عشر ذراعاً في مثلها تقريباً في غربيه قبور أساتذة الطريق من هذا البيت، وفي جنوبيه إيوان بجانبه حجرتان، وفي شرقي شماليّه قبلية معدة للصلاة وإقامة الذكر، وفي جنوبي القبلية حجرة فيها ضريح عبد الجواد بن أحمد الكيالي (واقف القبلية) ثم جاء ولده الشيخ علي فضم إليها بقية الزاوية سنة 1202"، انظر: المصدر السابق، ج 2، ص 271.
(١٩) وقد نشرت جريدة (النهضة) الصادرة في حلب في عدد رقم 320، تاريخ 26 تشرين الأول عام 1922، الخبر التالي: (جرى الانتخاب السري لمقام الإفتاء بحلب، فنال الأستاذ الشيخ عبد الحميد الكيالي الطيار 41 صوتاً، والشيخ محمد نجيب سراج أفندي 36 صوتاً، والأستاذ محمد أفندي الحنيفي 31 صوتاً). انظر: نجوى عثمان، ومحمد فؤاد عنتابي، حلب في مئة عام: 1850 ــ 1950، (حلب: جامعة حلب، معهد التراث العلمي العربي، سنة 1993)، ج 3، ص 20.
 (٢٠) انظر: ستيف تماري (المفتي، المحدّث، والصوفي: ثلاثة مناصب تدريسية وقفية ومأسسة الولاءات الإمبراطورية والمحلية في دمشق العثمانية)، وقد أعدنا صياغة النص المترجم نظراً لاضطراب ترجمته.
(٢١) انظر: محمد بن أحمد بن الأزهري، تهذيب اللغة، (القاهرة: الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1964)، ج 6، ص 119.
 (٢٢) انظر: ستيفان شوفالييه وكريستيان شوفيري، معجم بورديو، ترجمة د. الزهرة إبراهيم، (دمشق/الجزائر، سنة 2013)، ص 162.
 (٢٣) من ذلك قول الإمام علي يخبر صاحبه كميل بن زياد: "الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع! [...] العلم خير من المال. العلم يحرسك وأنت تحرس المال. المال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق! يا كميل بن زياد! محبة العالم دين يدان. تكسبه الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته، ومنفعة المال تزول بزواله. العلم حاكم، والمال محكوم عليه! يا كميل! مات خُزّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر. أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة"، انظر: ابن الجوزي، صفة الصفوة، تحقيق خالد مصطفى طرطوسي، (بيروت: دار الكتاب العربي، سنة 2012)، ج 1، ص 122.
والتراث بعد ذلك ذاخر بالمقولات والوقائع التي تشير إلى تلك المكانة، فـ "العلم وسيلة إلى كلّ فضيلة. العلم يرفع المملوك إلى درجة الملوك"!
ويقول الشاعر:
إنّما العلم لأربابه....... ولايةٌ ليس لها عزلُ
ويقول آخر:
إنّ الملوك ليحكمون على الورى..... وعلى الملوك لتحكم العلماء
وللاستزادة من هذه النصوص يمكن مراجعة مرتضى الزبيدي، إتحاف السادة المتقين في شرح كتاب إحياء علوم الدين، (بيروت: دار الفكر)، ج 1، ص 67 وما بعدها.
 
 (٢٤) انظر: تقي الدين ابن قاضي شهبة، طبقات الشافعية، تحقيق الحافظ عبد العليم خان، (الهند: مطبوعات دائرة المعارف العثمانية، سنة 1978)، ص 1.
[1] (٢٥) نشير هنا إلى نماذج من هذه الدراسات القليلة التي تنتظر من يترجمها إلى العربية: دراسات لابيدوس وكارل بيتري وجوان جيلبرت:
I. Lapidus, Muslim Cities in the Later Middle Ages (Cambridge, MA, 1967).
C. Petry, The Civilian Elite of Cairo in the Later Middle Ages (Princeton, 1981).
 J. Gilbert, The Ulamaof Medieval Damascus and the International World of Islamic Scholarship, (University of California, Berkeley, 1977).
 (٢٦) انظر: ألبرت حوراني، الإصلاح العثماني وسياسات الأعيان، مجلة الاجتهاد، (سنة 2000، عدد 45 و46)، ص 115.
 (٢٧) المرجع السابق، ص 111.
 (٢٨) لعل محاولة أحمد بن علي بن أحمد الفزاري القلقشندي (ت: 821 هـ) في ضبط هذه المصطلحات في كتابه صبح الأعشى في صناعة الإنشا من أفضل هذه المحاولات.
 (٢٩) انظر: ابن خلكان، أبو العباس أحمد بن محمد، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق الدكتور إحسان عباس، (بيروت: دار صادر، سنة 19781، ص 20.
(٣٠) هنالك العديد من الكتب والبحوث والمقالات التي ترصد ظاهرة هذه الأسر، وتتكلم عن تاريخ نقابات الأشراف وأدوارها ووظائفها، ونحيل هنا، على سبيل المثال، إلى كتاب الدكتور قاسم حسن السامرائي، نقابة الأشراف في المشرق الإسلامي حتى نهاية فترة حكم الأسرة الجلائرية، ط 1، (بيروت: دار الكتب العلمية)، وقد تناول بالبحث والدراسة نقابة الأشراف في المشرق الإسلامي منذ نشوئها في أواخر القرن الثالث الهجري وحتى 814 ه، وذكر علاقتها بالسلطة ودورها في تطور الحركة الفكرية والدينية والاجتماعية، وكتاب الباحث التركي مراد صاريجك، نقابة الأشراف في الدولة العثمانية، ترجمة سهيل صابان، ط 1، (القاهرة: دار القاهرة، سنة 2007). ولا بدّ من الإشارة في هذا الصدد إلى دراسات الباحث الياباني كازو موريموتو حول أنساب آل البيت:
Putting the Lubāb al-ansāb in Context وKeeping the Prophet's Family Alive: Profile of a Genealogical Discipline و The Earliest cAlid Genealogy for the Safavids: New Evidence for the Pre-dynastic Claim to Sayyid Status و الكتاب المهم الذي شارك به مجموعة من الباحثين وحرره بعنوان: Sayyids and Sharifs in Muslim Societies: The Living Links to the Prophet.
 (٣١) يحدثنا الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي عن والده الشيخ ملا رمضان: "فأقبل عليّ ذات يوم قبل أن يمضي فيسلمني أصغر تلميذ إلى شيوخ معهد التوجيه الإسلامي ينصحني ويحدثني عن آماله التي يعلّقها عليّ وقال لي فيما قال:
اعلم يا بني أنني لو عرفت أنّ الطريق الموصل إلى الله يكمن في كسح القمامة من الطرق لجعلت منك زبّالاً، ولكني نظرت فوجدت أنّ الطريق الموصل إلى الله هو العلم به وبدينه، فمن أدل ذلك قررت أن أسلك بط هذا الطريق". انظر: محمد سعيد رمضان البوطي، هذا والدي، ط 2، (دمشق: دار الفكر، سنة 1995)، ص 59.
 (٣٢) ورد في نهر الذهب في تاريخ حلب: "وأصل هذه الأسرة من مصر، وأول قادم منها على أريحا الشيخ محمد بن الشيخ عطية في حدود الألف، وتولى منصب الإفتاء سنة 1016، وتوفي وهو مفتي سنة 1042، وقد تداول أعقابه منصب الإفتاء في ريحا إلى حدود 1297 هـ". ج 1، ص 530.
 (٣٣) انظر: الشيخ عبد الواحد يحيى رينيه غينون، التربية والتحقق الروحي، عبد الباقي مفتاح (مترجماً)، (الأردن ـــ إربد، عالم الكتب الحديثة، سنة 2014)، ص 133 وما بعدها.
 (٣٤) انظر: مائير هاتينا، حراس العقيدة: العلماء في العصر الحديث، د. محمود عبد الحليم، (مترجماً)، ط 1، (القاهرة: مدارات للأبحاث والنشر، 2019) ص 66.
 (٣٥) انظر: محمد هشام البرهاني، مادة وقف، الموسوعة العربية، (دمشق: رئاسة الجمهورية العربية السورية، هيئة الموسوعة العربية، المجلد الثاني والعشرون)، ص 304.
 (٣٦) انظر: ميشيل عفلق، قضية الدين في البعث العربي، في الرابط التالي:
 http://albaath.online.fr/Volume%20I-Chapters/Fi%20Sabil%20al%20Baath-Vol%201-Ch29.htm.
 
 (٣٧) انظر: النص الذي كتبه عبد الله بن عبد الرحمن الجزري حول الطريقة الخزنوية، على هذا الرابط: https://dawa.center/file/334/download
 (٣٨) انظر: محمد فاروق نبهان، محمد النبهان: شخصيته ــ فكره ــ آثاره، (حلب: مكتبة دار التراث)، ص 94.
(٣٩) انظر: محمد عدنان كاتبي، عبد القادر الهلالي الدرعزاني، مقال منشور في موقع رابطة العلماء السوريين:
(عبد القادر الهلالي الدرعزاني - رابطة العلماء السوريينislamsyria.com › site › show_cvs).
 (٤٠) لأن مثل هذا الشيخ يمكن أن يخلط جميع الأوراق، ويحدث بلبلة تفوق الوصف، ولا سيما إذا عرفنا أن أتباع الطريقة الخزنوية ما بين سوريا وتركيا يُعدون بالملايين (يروّج أتباع الطريقة اليوم أنّ عددهم يصل إلى ثمانية ملايين مريد).
 (٤١) انظر: ابن الصلاح، معرفة أنواع الحديث، (دمشق: دار الفكر)، ص 128.
 (٤٢) ويبدو أنّ هذا الابن مشى على الخطة التي رسمها والده، "فعكف على دراسة العلوم الشرعية ولزم الزاوية، لا يخرج منها إلا لحضور دروسه في المدرسة (الأحمدية) أو (الدليواتية) أو (الشعبانية)، ولمّا أنس من نفسه القدرة على الدراسة والفهم، اعتزل الناس في غرفته في الزاوية مدة ثلاثين عاماً، حابساً نفسه على كتبه، يطالعها، ويحضر مجلس الذكر يوم الجمعة ثم ينصرف إلى خلوته مع كتبه، حتى أتقن معظم العلوم والفنون، ثم خرج للحياة والناس، شيخاً، عالماً، ورعاً، أخذ الطريقة عن شيوخها، ودرس العلوم وأتقنها، ثم انصرف إلى العبادة والذكر، وذاع صيته، وانتشر أمره وكثر طلابه ومريدوه، وأصبح يحضر مجلسه كبار علماء عصره أمثال الشيخ محمد نجيب خياطة، وأخيه الدكتور الشيخ عمر، والشيخ عبد الله سلطان، والشيخ محمد زين العابدين الجذبة، والشيخ عبد الله سراج الدين والشيخ محمد الشامي، والشيخ ناجي أبو صالح، وغيرهم من علماء عصره".
انظر: محمد عدنان كاتبي، عبد القادر الهلالي الدرعزاني.
(٤٣) انظر: عبد الله حمودي، الشيخ والمريد: النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة، ترجمة عبد المجيد جحفة (مترجماً)، ط 4 (المغرب: دار توبقال 2010)، ص 20.
(٤٤) استلم الشيخ عبد الستار السيد وزارة الأوقاف من سنة 1971 حتى 1980.
 (٤٥) يمكن الرجوع إلى مقالة:
JUSTIN JONES, Khandan-i-Ijtihad: Genealogy, history, and authority in a household of "ulama" in modern South Asia. Modern Asian Studies. Volume 54, Issue 4 July 2020, pp. 1149-1191..
التي تتناول أهمية كتابة سِيَر العلماء بوصفها آلية لدعم العلماء المعاصرين من خلال تخليد ذكرى أسلافهم بشكل دائم، وانظر على سبيل المثال: محمد محيي الدين سراج الدين، إتحاف المحبين بذكر مناقب الإمام الشيخ عبد الله سراج الدين الحسيني، وجاء في مقدمة الكتاب: "وإنني إذ لمست حاجة الناس إلى قدوة صالحة وأمثولة حسنة وعالم فذ يستقون من معينه وينهلون من مورده، وهذا لا يكون إلا بزيادة التعرف عليه لمن خُصَّ بقربه، وبالاطلاع على جوانب حياته لمن فاته ذلك عندها أدركت ضرورة كتابة ترجمة موجزة عن حياة سراج حلب وإمام المسلمين وكبير علماء الأمة المحمدية في هذه الفترة الزمنية سيدي ووالدي الإمام المفسرّ المحدّث الشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله ورضي عنه إلخ، ص 6.
 (٤٦) انظر: هشام عبد الكريم الآلوسي، السيد النبهان نادرة الأزمان، ط 3، (حلب: مكتبة أسامة بن زيد، وبيروت: دار المعرفة، سنة 2014)، ص 350.
(٤٧) انظر: عبد الله حمودي، الشيخ والمريد، ص 28.
(٤٨) انظر:
https://www.facebook.com/groups/doruz/

 (٤٩) انظر: ماكس أوبنهايم، الدروز، ترجمة محمود كبيبو، ط2 ، (لندن، دار الورّاق، سنة 2009)، ص 116. وهذا الكتاب هو قسمٌ من كتاب أوسع عنوانه (من البحر المتوسط إلى الخليج).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق